مرضت مرضاً شديداً بعد خلع ضرسي، قاسيت منه آلاماً مبرحة حرمتني طعم النوم والأكل شهراً كاملاً، إذ لم يكن يكف طعن الألم لحظة ليلاً ولا نهاراً، وزاد الورم حتى كاد خدي ينفجر، وامتد إلى عنقي ورأسي، وأغلق جفنيّ عينيّ، فحار في أمري الجراحون والأطباء، وعجز الطب، وعز الدواء، وقطع الأمل بتاتاً من الشفاء.
وإذا بيد الله الكريمة تمتد وتمسح المرض، وتمحو على مهل الجرح، وتصرف الورم، فوقف الأطباء مدهوشين من هذه المعجزة، فعاينت تفاهة الخلق، وعجز من ادعى العلم والسلطان وأدركت أن الخالق سبحانه أبر وأرحم بعبده من كل إنسان.
وفي اثناء مرضي عادتني سيدة وقالت لي مجاملة: (إنك لا تستحقين كل هذا العذاب، أنت السيدة المؤمنة المصلية الحاجة، فماذا اقترفت من الآثام؟).
فصرخت قائلة: (لا تقولي ذلك فإن الله لا يظلم الناس شيئاً، إني آثمة أستحق هذا العقاب وزيادة، هذا الفم الذي أدبه الله بالمرض والألم كان يُصبغ بالأحمر، وكان لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، وهذا الوجه الوارم كان يتجمل بالمساحيق، وهذا الجسم الطريح كان يتبرج بالثوب الأنيق، وهذا الرأس المتألمة المتأججة بنار الحمى كانت لا تحجب الخمار، وهي الآن تحجب قهراً باللفائف الطبية تحيط بها كالخمار، وهذا من فضل ربي عليِّ، فإن الله إذا أحب عبداً ابتلاه، والحمد لله على أني تبت إلى الله من قريب، واحتشمت قبل فوات الأوان..انتهى